الرئيسية / عين على التلفزيون / فيلم “بورناوت”: الخلل في السيناريو

فيلم “بورناوت”: الخلل في السيناريو

بقلم الناقد عمر بلخمار
مازال الفيلم المغربي “بورناوت” (بورن آوت) يعرض في بعض القاعات السينمائية ببلادنا قام بكتابته و إخراجه نور الدين للخماري الذي ختم به ربما ثلاثيته حول الدار البيضاء التي بدأت مع فيلم “كازا نيغرا” و”زيرو”. يقوم الفيلم بجرد لعدة قضايا و ظواهر اجتماعية و أخلاقية سلبية تحترق فيها شخصياته مثل الاغتصاب ، الدعارة ، القوادة، استغلال الأطفال جنسيا، العجز الجنسي ، الإجهاض ، الفقر و الفوارق الاجتماعية و الاقتصادية ، السياسي المنافق، تعاسة الغني، التسكع ، العوق و استغلال البشر بمختلف الطرق ، و هو فيلم ممنوع على من يقل سنه عن 16 سنة ، مع العلم أن بعض الأطفال المشاركين في بطولته لا يتعدى سنهم 16 سنة ، و أن الأفلام التي يشارك فيها الأطفال غالبا ما تثير الأطفال أكثر من غيرهم، و هو ما سيحصل في هذا الفيلم لأن ملصقه يتضمن صورة طفل صغير ماسح للأحذية. الفيلم لا يحكي خلال 112 دقيقة قصة واحدة، بل يستعرض قصصا مختلفة تدور وقائعها في مدينة الدار البيضاء، و قد حاول السيناريست و المخرج نور الدين الخماري أن يخلق روابط و تقاطع تجمع بينها من خلال صدف و أحداث تجمع بين مختلف الشخصيات في فضاءات متنوعة. القصة الأولى تتعلق ببطل الفيلم “جاد” (الممثل أنس الباز ) المهووس بأن يصبح بطلا في سباق السيارات، إذ يقوم بين الحين و الآخر بسياقة سيارته بسرعة جنونية في محاولة للوصول إلى المكان الذي يذهب إليه يوميا في وقت قياسي لا يجب أن يتعدى ثلاث دقائق ، و هو شاب ميسور وفاشل ورث عن والده المتوفى الكثير من المال و قام ببيع جميع أملاكه، و لكنه دخل في تعاسة نفسية حادة و في توتر شديد مع زوجته إيناس” (الممثلة مرجانة العلوي) وصل بهما إلى حدود الاتفاق على طلاقهما ، و لكنه بقي يتردد طيلة مدة الفيلم في التوقيع على وثيقة الطلاق إلى أن عاد إلى زوجته في نهاية رومانسية. القصة الثانية ذات الصلة بسابقتها تتعلق بهذه الزوجة الراغبة في الطلاق “إيناس” التي تشتغل في تنظيم معارض اللوحات التشكيلية و التي اتصلت بالسيد “غزالي” (الممثل كريم السعيدي) المصاب بالاعتلال العضلي و العجز الجنسي، و زارته في منزله و طلبت منه أن يمنحها لوحة فنية كبيرة الحجم للفنان عباس صلادي كي تضعها في المعرض الذي تستعد لإقامته ، و لكنه اقترح عليها أن تمكت معه في المنزل و أن تؤنسه لمدة أسبوعين مقابل منحها هذه اللوحة، فقبلت هذا الاقتراح الذي أدى بها في النهاية إلى طردها من منزله بعدما أثارت فيه الغضب الشديد الناجم عن الشعور المؤلم بالعجز الجنسي و بالإهانة الكبرى. القصة الثالثة تتعلق بماسح الأحذية الطفل “أيوب” (الممثل إلياس الجيهاني) المنتمي لفريق يتكون من بضعة أطفال يتحكم فيهم “الروندا” (الممثل محمد الخياري ) و يستغلهم ماديا من خلال توزيعهم للاشتغال في أهم شوارع الدار البيضاء كي يجمعوا له المال و يسلمونه له في نهاية كل يوم. يعاني هذا الطفل الفقر رفقة أمه العاطلة و المعوقة “ربيعة” (الممثلة السعدية لاديب) و أمنيته الكبيرة أن يشتري لها رجلا اصطناعية توجد بإحدى الصيدليات. يعاني “أيوب ” أيضا من التهديد و العنف اللفظي و المعنوي و الجسدي من طرف رئيسه “الروندا” و من زميله في التشرد الطفل “الموس” (الممثل بدر بوعايش) بطريقة ستذكر المشاهد بفيلم “علي زاوا” لنبيل عيوش. سبق للطفل إلياس الجيهاني أن شارك بأداء جيد في فيلم “جوق العميين” لمحمد مفتكر، و في فيلم “تكيتة السوليما” للمخرج أيوب اليوسفي الذي شارك هو أيضا بدور قصير في الفيلم الجديد “بورناوت”. القصة الرابعة تتعلق بالطالبة الداخلية في الطب “عايدة” (الممثلة سارة بيرليس) التي أوشكت على التخرج و صارت، بدعوى أنها يتيمة و في حاجة إلى المال (مبرر غير مقنع بالنسبة لطالبة تبدو رزينة تؤمن بالأخلاق و حب الخير للغير) ، تمارس الدعارة الراقية بوساطة القوادة “سمية” (الممثلة فاطمة الزهراء الجوهري) التي صارت تستغلها ماديا بعدما عرفتها على السياسي “فاريدي” (الممثل المقتدر إدريس الروخ) الفاسد و المنافق الذي يتظاهر كذبا و بهتانا أمام الكاميرات بأنه ضد الإجهاض ، و لكن ابنته الشابة أصبحت دون علمه حاملا بطريقة غير شرعية فقامت زبونته الطبيبة العاهرة “عايدة” بإجهاض حملها بمساعدة إحدى ممرضات المصحة التي تشتغل فيها، و كانت مفاجأتها كبيرة عندما اكتشفت فيما بعد أن هذه الشابة هي ابنته، و لما حاولت التعمق في شخصيته الغامضة و التعرف على حقيقته الخفية من خلال الحديث معه عن الشرف الذي يتشدق به دوما غضب غضبا شديدا و قام باغتصابها بكيفية شاذة و عنيفة و وحشية في مشهد مطول نسبيا. الممثلة سارة بيرليس التي قامت بهذا الدور الجريء هي مغربية برتغالية، من أم مغربية و أب برتغالي، غادرت المغرب في سن الحادية عشر سنة ، و درست المسرح بمدينة باريس ، قبل أن تنتقل إلى آسيا ثم لندن التي اشتغلت فيها لأول مرة في ميدان التمثيل. تطرق هذا الفيلم أيضا بشكل مقتضب إلى قضايا أخرى من بينها شخصية المتسكع الذي لا يملك سكنا قارا و الذي لا تفارقه البسمة و لا قنينات النبيذ “البورناوت”، و قد شخص هذا الدور بأداء موفق الممثل المقتدر شفيق بيسبيس ، و من بينها أيضا الشخص المتخصص في إعادة بيع الهواتف النقالة المستعملة و الذي يستغل الأطفال جنسيا (بيدوفيل) على رأسهم الطفل “الموس”، و قد قام بهذا الدور الممثل الطنجاوي عبد السلام بونواشة. استعان نور الدين الخماري على مستوى التصوير و الموسيقى التصويرية بمهنيين أجانب ، و الفيلم جيد فعلا من ناحية التصوير و الموسيقى و الجوانب التقنية، كما بدل فيه مجهود ملموس على مستوى الإخراج بالرغم من كون التشخيص لم يلمس فيه اجتهاد يمكنه أن يعطيه قوة أكثر ، و لكن الملاحظة الأساسية و البارزة هي هشاشة السيناريو من ناحية البناء على مستوى الربط غير المقنع بين قصص الفيلم، و على مستوى أحداثه المطبوعة بالسطحية مما جعلها غير محركة للعواطف ، و على مستوى التساهل في محاولة الجمع بين كل هذه الشخصيات المنتمية لعوالم مختلفة و متناقضة عن طريق خلق صدف كثيرة تلامس المبالغة أحيانا كأن الأحداث لا تدور في مدينة الدار البيضاء العملاقة و المتشعبة بشوارعها و أحيائها و أزقتها، بل كأنها تدور على خشبة المسرح (فضاء ضيق) حيث تلتقي فيها كل الشخصيات بين الحين و الأخر بسهولة و تساهل. الأحداث مستهلكة و معروفة و معالجة بطريقة عادية تفتقد إلى عناصر الإثارة و التشويق و الإمتاع. هشاشة السيناريو أثرت سلبا كذلك على الشخصيات من ناحية تبرير تصرفاتها غير المقنعة و غير المنطقية أحيانا، كما أثرت سلبا أيضا على الحبكة و على طريقة معالجة مختلف القضايا المتناولة التي بقيت نهايات أغلبها معلقة كأن الهدف من تناولها هو طرحها دون إعطاء أهمية لإيجاد حل لها مثل قضية الطفل “أيوب” الذي يقوم في نهاية الفيلم بسرقة الرجل الاصطناعية كي يهديها لأمه المعوقة، بينما كان يمكنه الحصول على هذه الرجل بطريقة أخرى لا تترك الباب مفتوحا في وجه تأويلات لا أخلاقية و لا تربوية ، نهاية توحي لكل من لم يحصل على شيء ما بطريقة شرعية أن يقوم بسرقته. كل هذه الملاحظات أعطت فيلما فاقدا للمصداقية على مستوى التطورات و تصرفات الشخصيات و نوعية الحوارات التي تجمع بين الدارجة المغربية و الفرنسية في عدة مشاهد ، و هو بذلك أقل جودة و قوة و حبكة و إتقان من الفيلمين السابقين “كازا نيكرا” و ” زيرو”، و هذا الرأي لا يمنع طبعا من مشاهدته ، لأنه ليس رديئا بالمفهوم الدقيق للرداءة ، و لكنه لا يشفي الغليل و ليس في مستوى ما كان منتظرا من المخرج المحنك نور الدين الخماري.

شاهد أيضاً

وثائقيات الأولى.. طفرة الكم وجودة الكيف بدأت منذ أزيد من عقد من الزمن

توفيق ناديري شرعت القناة “الأولى”، الاثنين 30 شتنبر الماضي في بث عرض واسع وجذاب من …

الهولدينغ السمعي البصري العمومي … المرور للسرعة القصوى

فيصل العرايشي الذي أعرفه !!!

توفيق ناديري خلق الأداء المغربي المخيب للآمال في الألعاب الأولمبية، رغم بعض النقط المضيئة رجة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.