الرئيسية / عين على التلفزيون / فيلم “الجميع يعلم” : المخرج الإيراني “أصغار فرهادي” يبتعد عن بلده و أسلوبه و ينجز فيلما إسبانيا

فيلم “الجميع يعلم” : المخرج الإيراني “أصغار فرهادي” يبتعد عن بلده و أسلوبه و ينجز فيلما إسبانيا

بقلم الناقد عمر بلخمار
يوجد ببلادنا الفيلم الإسباني الفرنسي الإيطالي “الجميع يعلم” (إيفري بادي ناوز) الذي كتبه و أنجزه المخرج الإيراني المقتدر أصغار فرهادي، و قد سبق تقديمه في حفل افتتاح الدورة الواحدة والسبعين لمهرجان كان السينمائي الدولي و في إطار المسابقة الرسمية ، و عكس ما كان عليه الأمر في فيلميه السايقين “البائع” و “انفصال” اللذين نال بهما جائزتي أوسكار فقد اختار هذه المرة ممثلين غير إيرانيين و اختار إسبانيا كفضاء تجري فيه أحداث قصته التي أقلمها كليا مع خصوصيات الحياة الإسبانية و طقوسها، و سافر من أجل ذلك مرات متكررة إلى هذا البلد للتشبع بثقافته و نمط عيش الإسبانيين فيه حتى لا يكون فيمله سطحيا و غير منسجم مع واقعه.
تستغرق مدة عرضه حوالي 132 دقيقة و شاركت فيه نخبة من الممثلين الإسبانيين من بينهم النجم الإسباني خابيير بارديم في دور “باكو” و الممثلة بينولوبي كروز في دور حبيبته الأولى “لورا” و الممثل الأرجنتيني ريكاردو دارين في دور زوجه “أليخاندرو” و الممثل الإسباني المقتدر رامون بارييا في دور والدها “أنطونيو” و الممثلة المراهقة كارلا كامبرا في دور ابنتها “إيرين”، و الممثلة إينما كويسطا في دور أختها “آنا” و الممثلة إلبيرا مينغيز في دور عمتها “ماريانا” و الممثل إدوار فيرنانديز في دور زوج عمتها “فرناندو” و الممثلة ساره سلامو في دور ابنة عمتها “روسيو” الصامتة الخطيرة.
تنطلق القصة بوصول الزوجة “لورا” رفقة ابنيها و ابنتها المراهقة “إيرين” إلى قرية إسبانية جميلة توجد بها عائلتها قادمة من الأرجنتين دون زوجها “أليخاندرو” للحضور في حفل زفاف شقيقتها “آنا”، و تم تخصيص حوالي الثلث الأول من مدة الفيلم لأحداث سعيدة من خلال الإطالة في مراسيم الاستقبال الحار المخصص لها، و في مراسيم و أجواء حفل الزفاف و ما رافقه من نشاط و رقص و غناء قبل أن تنقلب الأمور فجأة إلى أزمة و حزن و بكاء و حيرة بعد اختطاف المراهقة “إيرين” من طرف عصابة مجهولة طالبت أمها “لورا” تحت التهديد بعدم إخبار رجال الأمن و تسليمهما مبلغ مالي كبير مقابل الإفراج عنها على قيد الحياة. يدخل المشاهد إذن في غموض محير يفسح المجال لكل الاحتمالات لا يعرف كيف اختفت؟ هل اختطفت أم ذهبت .مع عشيقها عن طيب خاطر؟ بل إن الكل أصبح مشكوكا بتورطه في هذه القضية، و سيحاول كل واحد من أفراد هذه العائلة اقتراح حل يمكنه أن يكون مخرجا لهذه الأزمة.
ستزداد الأمور تعقيدا بعد عودة “أليخاندرو” زوج “لورا” و والد الطفلة المختطفة من الأرجنتين، و هو شخص سكير و عاطل و مفلس لا يمكنه أداء المبلغ المطلوب من طرف العصابة، و سيتطوع “باكو” لأداء هذا المبلغ ببيع ضيعة العنب التي كان قد اشتراها بثمن منخفض من “لورا” صديقة طفولته و حبيبته السابقة التي رحلت عنه إلى الأرجنتين مع زوجها مما جعله يتزوج هو أيضا بامرأة أخرى تدعى “بييا” (الممثلة الإسبانية بربارا ليني). كانت مفاجأة هذه الزوجة و صدمتها كبيرتين لما أخبرها بعزمه على بيع ضيعته من أجل الإفراج عن ابنة “لورا”، و أصيبت بخيبة أمل كبيرة عدما علمت أنه مازال يحب “لورا” و ستصدم أكثر و أكثر بعدما اكتشافها لسر أخطر من ذلك ، و هو سر مسكوت عنه لم يكن في الحسبان في البداية قبل أن يصبح الجميع في هذه العائلة المنخورة بالصمت و مشاكل الماضي و الكذب و الغيرة و الخيانة على علم به كما يشير عنوان الفيلم إلى ذالك (الجميع يعلم) .
سيتم الإفراج عن المراهقة المختطفة ، و سيكتشف المشاهد أن مدبري هذه العملية ليسوا غرباء عن العائلة ، و لكن هذا الإفراج لم يوصل الفيلم إلى نهاية سعيدة، بل أوصلها إلى نهاية غير نهائية مليئة بالغموض و الأسئلة و بالمشاكل التي بقيت معلقة داخل العائلة. الفيلم مشحون بالمعاناة النفسية التي جعلت المخرج يحاول الغوص في عمق الشخصيات بدل المرور علي مشاكلها و أزماتها بسطحية ، كما قام بتصويرها عن قرب بكيفية مقصودة لإذكاء جانب المعاناة التي تتصاعد تدريجيا بالاقتراب من النهاية. الموضوع سبق تناوله بطرق مختلفة في أعمال أخرى ، و هو بذلك مستهلك بنوعه و كلاسيكي بطريقة معالجته المطبوعة بالتمطيط في مشاهد الحزن و الإكثار من البكاء و المعاناة و المواساة و توظيف “كليشبهات” أفقدت الفيلم تفرده و قللت من قوته بالرغم من كونه جيد على مستوى التشخيص و الإخراج و التصوير و كونه مثير و محكم من ناحية السرد الذي لا يخلو من نفحات هتشكوكية.
القصة شيقة و متقلبة الأطوار بأسرارها و مفاجآتها، و لكن الكشف عنها لا يتم بذكاء بل يتم بتساهل عن طريق الحوارات المباشرة التفسيرية ، و هو تساهل يلمس أيضا في بناء و حل بعض المواقف الصعبة ، و بالرغم من كل ذلك يبقى المشاهد مشدودا و متشوقا لمعرفة كيف ستنتهي هذه القصة ذات القضايا المعقدة و المثيرة المتداخلة فيما بينها، و هو من نوع الأفلام التي تكون مثيرة بأسرارها في المشاهدة الأولى والتي تصبح بعد ذلك فاقدة لعنصر الإثارة في المشاهدات الموالية، لأن الأسرار تصبح معروفة و تبقى للمشاهد فرصة التأمل و التعمق في كيفية تعامل الممثلين مع هذه الأسرار أثناء التشخيص.
الفيلم جميل ينبض بالحياة بإيجابياتها و سلبياتها ، صوره ممتعة بشكلها و مضمونها و ألوانها ربما ستذكر البعض بصور أفلام المخرج الإسباني الكبير بيدرو ألمودوفار، و هو أمر طبيعي لأن المصور و الملحن الإسباني خوسيه لويس ألكاين الذي قام بتصوير الفيلم سبق له أن اشتغل كثيرا مع ألمودوفار كمدير للتصوير، و يمكن القول إن هذا الفيلم الجديد لأصغار فرهادي يبدو بشكله كأنه فيلم إسباني من إنجاز مخرج إسباني، و هو ما يعني بأنه لم يبتعد فيه عن إيران فحسب ، بل ابتعد عن أسلوبه المعهود فيه أيضا و ربما كان للزوجين الإسبانيين خابيير بارديم و بينولوبي كروز دورا و تأثيرا في ذلك. كل ما سلف من ملاحظات تجعلني أخلص إلى أن هذا الفيلم يستحق المشاهدة ، و لكنه يفل بكثير عن فيلميه السابقين “البائع” و “انفصال” جودة و أصالة.

شاهد أيضاً

وثائقيات الأولى.. طفرة الكم وجودة الكيف بدأت منذ أزيد من عقد من الزمن

توفيق ناديري شرعت القناة “الأولى”، الاثنين 30 شتنبر الماضي في بث عرض واسع وجذاب من …

الهولدينغ السمعي البصري العمومي … المرور للسرعة القصوى

فيصل العرايشي الذي أعرفه !!!

توفيق ناديري خلق الأداء المغربي المخيب للآمال في الألعاب الأولمبية، رغم بعض النقط المضيئة رجة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.