أثارت لافتة علقها صاحب محل مأكولات خفيفة في محله بأحد أحياء مدينة سلا قرب الرباط جدلا كبيرا في المغرب وانتشرت كالنار في الهشيم في المواقع الإخبارية وصفحات التواصل الاجتماعي ،بسبب ما كتب فيها وهو «تفاديا لأي إحراج، يبقى الجلوس على الكراسي خاصا بالذكور دون الإناث، شكرا على تفهمكم»، وهو ما اعتبرته مئات التدوينات والمقالات تحقيرا للمرأة ولنضال الحركات النسائية ومخالفة للقانون ولروح الدستور المغربي، الذي نص في فصله 19 على المساواة التامة بين الجنسين. وأيضا تم اعتبارها بذرة فكر «داعشي» إقصائي عنيف ينبذ المرأة ويمنعها من أبسط الحقوق مثل حق اقتسام الفضاء العام مع الرجل.
وابتدأت القصة بزيارة الناشطين الحقوقيين المهدي بلخوجة وسفيان فارس للمحل، وهو مطعم صغير وسط أحياء مدينة سلا الشعبية مختص ببيع سمك السردين وأكلة شعبية تدعى «المعقودة» تعد من البيض والبطاطس، لكن الناشطين تفاجآ باللافتة مما جعلهما يدخلان في جدال مع صاحب المحل حيث تم تصوير جزء من الجدل بكاميرا هاتف نقال في فيديو انتشر على الإنترنت، إلى جانب صورة اللافتة. وحكى الناشط سفيان فارس وهو من مؤسسي حركة «مالي» للحريات الفردية المثيرة للجدل ما جرى لـ «القدس العربي» قائلا: طلبنا تفسيرا لمضمون اللافتة التي كانت معلقة في باب مفتوح على الشارع العام، لكن صاحب المحل أجابنا بغلظة، وهو شخص ملتح ومظاهر التدين تبدو على محياه بأنه حر في محله يستقبل فيه من يشاء، وأن الإناث ممنوعات لأننا في بلد إسلامي ومنعهن من الجلوس هو درء للفتنة وللاختلاط غير الشرعي. فأجابه الناشطان بأن هذا أمر يخالف القوانين المغربية ويحاكم النوايا ويشجع على فصل الفضاء العام بين الذكور والإناث ويعود بالمغرب سنوات إلى الوراء. وسأله فارس عن ماذا لو زار المحل رفقة أخته فرفض ذلك معللا بأنها ستكون محط أنظار للرجال وبأنه أمر مخالف للشرع. فتحداه الناشط الحقوقي بأنه لن يجلب أخته بل سيجلب صديقته التي يقيم معها علاقة وهو ما وصفه صاحب المحل (الذي ساقه حظه إلى استقبال هذه الزيارة العابرة لأحد أبرز ناشطي مجال الحريات الفردية في المغرب) «بالعار»، فكان أن رفض خدمتهما وتقديم ما طلباه من وجبات ورفض إزالة اللافتة التي تصدرت فورا حينها سطح النقاش ومواقع التواصل الاجتماعي. يقول سفيان فارس لـ»القدس العربي»: أول شيء خطر في بالي هو مدى خطورة مثل هذه الأفكار التي قد تتطور في مجتمعاتنا في غفلة منا مؤسِسة لفكر داعشي متطرف وجبت محاربته في أولى إرهاصاته، وتشجيعا على الحيف والميز في حق المرأة، وتذكرت أيضا أفعال العنصرية تجاه السود الذين منعوا في أمريكا من ارتياد الأماكن العامة ومن استعمال وسائل النقل. وطبعا منع المرأة لا يقل خطورة لأنه يعود بالمغرب سنوات طويلة إلى الوراء بعد معارك حقوقية خاضتها النضالات النسوية من أجل انتزاع جملة من المكتسبات منها إصلاح قوانين الأحوال الشخصية عبر سن «المدونة» ومنح المرأة المغربية الجنسية لأبنائها ثم دسترة المساواة بين الجنسين في دستور 2011 الذي جاء كاستجابة لمطالب حركة 20 فبراير».
وعلمت «القدس العربي» أن أعوانا من السلطة زاروا المحل المذكور مع نهاية اليوم نفسه طالبين من صاحب المحل استفسارا حول مضمون اللافتة بعدما أثارت الجدل وتداولتها بكثافة مواقع إخبارية مغربية ودولية، فاكتشفوا أنه غير مرخص مما تسبب في إقفاله، في حين حدد ناشطون في هاشتاغ على موقع «فيسبوك» تاريخا دعوا فيه إلى زيارة جماعية للمكان رجالا ونساء لتناول وجبة «المعقودة»، وهو ما وصفته تعليقات مغاربة بأن هذا باختصار هو «الاستثناء المغربي» الذي عمل دوما على اقتلاع الفكر المتطرف الإقصائي من جذوره وهو الفكر الذي أوقع بقاعا عدة في العالم في ويلات ونزاعات، بحسب تعليقات نشطاء مغاربة.
