بقلم الناقد عمر بلخمار
يوجد ببلادنا فيلم مصري يحمل عنوان “جواب اعتقال” من تأليف و إخراج محمد سامي هو من نوع أفلام الإرهاب و تدور أحداثه خلال ما يقارب 100 دقيقة حول الشاب الإسلامي المتطرف “خالد الدجوي” (الممثل محمد رمضان) الذكي و العنيف و الماهر في استعمال الأسلحة النارية و في المبارزات الجسدية و فنون الحرب، و الذي ينتمي كمرتزق لجماعة إرهابية ممولة من خارج مصر يقودها الشيخ “عبد الله” (الفنان المقتدر سيد رجب) بمساعدة شيوخ آخرين من بينهم الشيخ و الإمام “مصطفى” الذي لا يثق في هذا الشاب و لا يكف عن نعته بابن “الخدام” (الخادم) بخلفية احتقارية و قدحية له و لوالده الراحل. أصبح هذا الشاب رئيسا للجناح العسكري المكلف بتنفيذ التفجيرات وعمليات القتل الإرهابية ، و لكنه رفض بقوة أن ينضم شقيقه “أحمد” (الممثل محمد عادل) إلى هذه الجماعة، و أصبح يكره الشيخ “مصطفى” لكونه لا يكف عن إقناع شقيقه بالانضمام إليها، و بعد انضمامه تمت تصفيته بقطع رأسه و وضعه في صندوق بجوار منزل شقيقه “خالد” كعقاب له على شعور أعضاء الجماعة بالخيانة و الخروج عن الطاعة و الطريق لأنه استسلم للغرام و عشق ابنة عمه الدكتورة “فاطمة” (الممثلة دينا الشربيني) التي لا تحبه و تكرهه و لا ترغب في التزوج به لكونها شبه متيقنة من ارتكابه جرائم إرهابية و لو كانت غير متأكدة من ذلك. قام هذا الإرهابي الولهان باختطاف و تعذيب زميل حبيبته في الكلية لأنه تقدم لخطبتها ، و كانت هذه العملية هي النقطة التي أفاضت الكأس، فقررت حبيبته الغاضبة “فاطمة” بشكل مفاجئ أن تتزوج به مما أثار استغراب والدها (الفنان المقتدر أحمد راتب)، و كان هدفها من هذا الزواج التقرب منه أكثر للتبليغ عن تصرفاته و تحركاته بتنسيق مع جهاز الأمن بقيادة الضابط “محمد” (الممثل إياد نصار) و تزويده بالحجج الدامغة التي عجز عن التوصل إليها بوسائله الخاصة. شعر “خالد” بأنه أصبح مهددا بالقتل أو بالاعتقال، أي أنه أصبح مهددا بالقتل من طرف جماعته الإرهابية التي تتهمه بالخيانة و اختارت الشاب “المعتصم” خلفا له و كلفته بتصفيته ، و مهددا بالاعتقال من طرف رجال الأمن أيضا بعدما صدر قرار رسمي باعتقاله لأنهم أصبحوا يراقبون أقواله و تحركاته بالصوت و الصورة بفضل مساعدة زوجته “فاطمة” التي تعيش معه في منزل خلوي و منعزل. كل هذا دفع به إلى الانتقام من كل أفراد الجماعة التي كان ينتمي إليها بقتلهم بالتتابع ، و كان آخرهم الشيخ “مصطفى” الذي قتله بعيد خروجه من المسجد الذي كان يصلي فيه بالناس، و تمكن من قتله بطريقة القناصة الاحترافيين قبيل أن يتلقى من رجال الأمن طلقة نارية ثانية قاتلة لأن طلقتهم الأولى لم تكن قاتلة، و أصبح بذلك كأنه هو البطل الذي خلص بلده من شر هذه الجماعة التي لم يتمكن جهاز الأمن من القضاء عليها. الفيلم يشبه عدة أفلام أخرى تطرقت لقضية الإرهاب، و لكن موضوعه متناول و معالج بطريقة تجمع بين الجد و الطرافة الخفيفة أحيانا، و هي لا تخلو من إثارة و تشويق و من توتر درامي محرك و مستفز للعواطف. تتوالى تطوراته بإيقاع غير ممل رغم طغيان الحوار على الأحداث، و هي تطورات غير فاقدة للمصداقية بالرغم من بعض المبالغة أحيانا مثل الكيفية التي تمكن بها البطل “خالد” وحده من قتل كل خصومه رغم كونهم أقوى منه عددا و عدة. كان هذا الفيلم يحمل في البداية عنوان’ أنا إرهابي” ، و قد تعرض للرقابة و مشاكل أخرى أخرت توزيعه لمدة لا تقل عن سنة حسب ما أشارت إليه بعض المنابر الصحفية المصرية ، إذ كان من المقرر أن يعرض تزامنا مع عيد الفطر للسنة الماضية (2016) فتم تأجيله إلى عيد الفطر للسنة الجارية. سيكون ربما قد استسلم أصحاب هذا الفيلم لشروط الرقابة و أجبر على حذف أشياء أخرى كانت ستعطيه قوة أكبر و سذاجة أقل في التعامل مع هذه القضية الإرهابية. الطريقة التي عولج موضوع الإرهاب في هذا الفيلم أثارت جدلا بين مؤيدين و معارضين، كما جعلت البعض يتساءل هل يجب البكاء على هذا البطل الإرهابي المقتول؟ أم يجب الابتهاج لذلك؟ و هل يمكن اعتبار زوجة هذا الإرهابي و ابنة عمه “فاطمة” مخطئة حين قبلت أن تتزوجه بهدف تسليمه للأمن و تخليص البلد منه أم لا؟ و هل يمكن اعتبار تصرفها مقصودا كي يكون منسجما مع التوجيهات الأمنية و الرسمية ؟ أم أنها قامت بذلك بهدف إخراج ابن عمها من نفق الإرهاب و تخليصه من قبضة الإرهابيين الذين يشغلونه. البطل المجرم و العنيف و العنيد “خالد” يبدو في هذا الفيلم كأنه إرهابي من نوع آخر ، إرهابي لا يريد أن يصبح شقيقه إرهابيا مثله (عكس ما يفعله أغلب الإرهابيين) ، إضافة إلى كونه ولهان و هائم كليا في حب ابنة عمه إلى درجة أصبح فيها ضعيف الشخصية أمامها و غير قادر على قتلها رغم كونه اكتشف أنها خانته و تصرفت معه كالمخبرة لصالح الأجهزة الأمنية. تلمس في هذا الفيلم قوة أداء الممثل محمد رمضان الذي شخص دور “خالد” ، و نفس الشيء بالنسبة للممثل المقتدر سيد رجب في دور “عبد الله” ، و الممثلة دينا الشربيني في دور “فاطمة” ، و الفنان المقتدر أحمد راتب في دور والدها ، لكن بعض الممثلين لم يكن أداءهم مقنعا و على رأسهم الممثل إياد نصار في دور ضابط جهاز الأمن هذا الدور الذي لم يكن أصلا مناسبا له. السيناريو محبوك و مستفز للعواطف ببنائه الدرامي الجيد عموما، لكن الإخراج يشكو من ضعف على مستوى إدارة بعض الممثلين، و قد بدل في هذا الفيلم مجهود ملموس على مستوى التصوير و في إتقان لقطات الإنفجارات النارية الجهنمية.
